الشحرور: صوتٌ يعبر القارات ويجمع القلوب
لم يكن أحد يتوقّع أن يتحوّل مقطع عفوي على منصة “تيك توك” إلى محطة فارقة في مسيرة مطرب لبناني محترف، لكن ما حدث مع رضوان صادق الملقب بـ “الشحرور” حمل كل معاني المفاجأة والاعتراف.
فبعد أن بادر النجم المصري الكبير أحمد حلمي بمتابعة الشحرور عبر حسابه الشخصي، نشر الأخير مقطع فيديو يشكره فيه على هذه اللفتة. المفاجأة كانت أن حلمي لم يكتفِ بالمتابعة، بل علّق على فيديو الشكر ذاته قائلاً إن “شرف المتابعة له”، مضيفاً كلمات إعجاب بصوته وإحساسه. هذه اللحظة تحوّلت إلى علامة فارقة، لأنها أظهرت احتراماً متبادلاً بين نجم عربي محبوب وصوت لبناني استثنائي وجد أخيراً من ينصفه.
صوت يعانق السماء
هذا التعليق لم يكن مجرد مجاملة عابرة، بل بدا كنافذة تفتح على حقيقة أكبر: موهبة الشحرور ليست وليدة اللحظة، فهو فنان متمكّن ومحترف، غير أن الظروف في بلده لم تمنحه المنابر التي تليق بصوته. المفارقة أن منصة “تيك توك” أنصفته أكثر من الإعلام والمنصات اللبنانية، لتكشف للعالم طاقة غنائية تتجاوز الحدود. فصوته الجبّار، الممتد من عمق الإحساس إلى أقصى طبقات الأداء، يمتلك القدرة على عبور القارات والتحليق بأجنحةٍ لا تعترف بقيود الإعلام ولا غيوم التجاهل.
محطات الانطلاقة الأولى
لكن رحلة الشحرور لم تبدأ من وسائل التواصل، بل سبقتها محطات لامعة في مشواره الفني. فقد شارك في أحد البرامج الفنية بإدارة غسان الرحباني ونال فيه المركز الأول، ليصفه الموسيقار الكبير الياس الرحباني حينها بـ”الوحش”، في إشارة إلى قوته الصوتية الاستثنائية. وبعد سنوات، خاض تجربة برنامج “ذا فويس” على شاشة MBC، وتمكّن من الوصول إلى المرحلة الأخيرة ضمن فريق الفنان كاظم الساهر. غير أن النتائج حينها أثارت أكثر من علامة استفهام، سواء لجهة التقييم أو لطريقة التعاطي مع هذا الصوت الفريد بعد انتهاء البرنامج.
التفاني والعمل الجاد
بعيداً عن الأضواء العابرة، يملك الشحرور شخصية فنية جادّة، لا ترضى إلا بالإتقان. في الاستديو أو على المسرح، يعرف كيف يزرع وقته بالعمل والبحث والتجريب، ليُخرج من صوته أثمن ما فيه. هذه الجدية لا تقتصر على الفن فقط، بل تمتد إلى حياته الإنسانية، حيث أظهر التزاماً عميقاً بقيم المحبة والدعم المتبادل.
عشق الشعر والعتابا
ولأن الغناء الأصيل لا ينفصل عن الكلمة، فإن الشحرور يُعرف أيضاً بشغفه بالشعر الشعبي، وخاصة العتابا والمواويل. فهو لا يختار أبياتاً عابثة أو سطحية، بل يحرص على انتقاء الأجمل سبكاً والأكثر عُمقاً، بما يليق بذائقة رفيعة تحترم المستمع. ومن هنا جاء إصراره على نشر هذا التراث العظيم، عبر مبادرة تعليمية مميزة على حسابه في إنستغرام، قدّم فيها مادة دسمة حول ماهية العتابا وأصولها وأوزانها، وذلك بالتعاون مع الشاعر والمهندس ربيع عواد، بهدف التوعية والتعليم ونشر التراث بالشكل الصحيح.
روح المرح وسرعة البديهة
ورغم جديته في الفن، فإن للشحرور جانباً مرحاً لا يقل سحراً عن صوته. فقد عُرف على “تيك توك” بمقاطع طريفة ومقالب فنية كان يتظاهر فيها بأن صوته غير جميل ويؤدي نشازاً متعمداً ببراعة، قبل أن يكشف عن صوته الحقيقي المذهل. هذه القدرة على إتقان النشاز بهذا الشكل لم تكن سوى دليل آخر على موهبته الكبيرة، إذ أن من يتقن الأداء الصحيح هو وحده القادر على تمثيل الخطأ الموسيقي بهذا الإتقان. إنها روح فكاهية ممزوجة بسرعة بديهة وأداء تمثيلي عالٍ، أضافت إلى شخصيته بُعداً إنسانياً محبباً وجعلته أقرب إلى جمهوره.
الخطر الذي يُقلق الفنانين
موهبة الشحرور لم تتوقف عند قوة صوته أو حضوره، بل تخطّت ذلك إلى قدرته على تأدية أي أغنية باحتراف يفوق أحياناً صاحبها الأصلي. وهذه القدرة النادرة جعلته في نظر البعض “خطراً فنياً” على كثير من المطربين، إذ كشف أن الأداء الصادق والصوت المدجج بالخبرة يمكن أن يضع المقارنة في غير صالح أصحاب الأغنيات. وربما كان هذا السبب وراء محاولات بعض الفنانين الكبار التعتيم على هذه الظاهرة أو محاربتها بشكل غير مباشر، خوفاً على مساحاتهم ومكانتهم.
عائلة تحمل الاسم والروح
حول رضوان صادق، تكوّنت دائرة إنسانية وفنية مميزة، مجموعة من الأشخاص الذين يشبهونه في صدقهم وإصرارهم، فتحوّلوا من مجرد أصدقاء ومحبّين إلى ما يشبه العائلة. أطلق عليهم “عائلة الشحرور”، وهي أكثر من مجرد تسمية، بل حالة وجدانية تعبّر عن الرابط الذي يخلقه الفن الأصيل: رابط يجمع بين أشخاص مختلفين، يوحّدهم الإحساس الصادق والبحث عن الجمال.
ظاهرة تستحق التوقف
الشحرور ليس وجهاً جديداً يبحث عن مكانه، بل فنان محترف ظل لسنوات يواجه نقص الفرص العادلة في بلده، إلى أن جاء الفضاء الرقمي ليمنحه ما حُرم منه. صوتٌ لا يعرف المستحيل، يفرض حضوره أينما وصل، ويثبت أن الفن الأصيل لا يُحاصر ولا يُمكن تجاهله.