“من إرث الراحل جوزاف سكاف إلى الحضور الحقيقي لـحسن مراد… البقاع يستعيد مكانته وينطلق نحو مستقبل مشرق- كارين القسيس

0

 

كثيرون لا يعرفون عن البقاع شيئاً، وإن عرفوا، فمعظمهم يُحمّله ما لا يحتمل، فالبقاع، في نظر البعض، ليس سوى مساحة جغرافية خارجة عن القانون، وبُؤرة لتجارة المخدرات، وملجأ للـ”شبّيحة” والنافذين… هكذا يُختزل المشهد، بكل بساطة، وبساطة مُخجلة.

لكن ما لا يُقال، وما لا يريد البعض أن يراه، أنّ هذه المنطقة، الممتدّة على رقعة واسعة من لبنان، تُركت طويلاً لمصيرها، كأنّها ثُقب أسود يُحرج الدولة بوجودها.

البقاع لم يتمرّد عبثًا، إنّما كان دائماً نتيجة طبيعية لإهمالٍ مزمن، وممنهج، ومتراكم، إهمالٌ قد يكون متعمّداً أو ناتجاً عن لا مبالاة، والنتيجة واحدة…فالدولة، في قاموسها السياسي، لا تُدرج البقاع ضمن أولوياتها، بل تكاد لا تعترف به أساساً…تُرك يتخبّط بين الفقر، والبطالة، وغياب البنى التحتية، وكأنّ أبناءه مواطنون من درجة ثانية أو لا مواطنين على الإطلاق.

في زمنٍ مضى، حمل النائب الراحل جوزاف سكاف على عاتقه هموم أهل البقاع، وساندهم بقدر ما استطاع، مستفيداً من نفوذه الواسع، فوقف إلى جانبهم معنويّاً، و”وظيفياً” وأحياناً ماديّاً، لكنّه، رغم كل ذلك، لم يُنشئ مؤسسة واحدة تبقى بعد غيابه، تخلّد خدمته أو تُترجم عطاءه على المدى البعيد، فمساعداته، وإن تركت أثراً طيّباً، ظلّت محدودة بزمنه الشخصي، ولم تُبْنَ لستمر.

ثم مرّت سنوات عديدة من الغياب واللامبالاة، من التخلّي المريب من قِبَل رجال الأعمال والمتموّلين البقاعيين، إلى أن برز في الآونة الأخيرة اسم لا يمكن تجاهله، لا لأنّه يحمل لقب نائب، بل لأنّه قرّر أن يكون مختلفاً بالفعل لا بالقول، النائب حسن مراد، وصل إلى السدة البرلمانيّة “طامعاً” بمشروع، وبرؤية واضحة، وبخطة عمل تجاوزت الشعارات إلى التطبيق الحقيقي..

مراد لم ينتظر الدولة، بل بدأ من حيث انتهى “القليلون”…دخل من بوّابة البقاع الكبرى، من التعليم، والصحّة، والإعلام، والتنمية، وخلق فرص العمل، فلم يقدّم وعوداً فقط، إنّما أطلق مبادرات، وافتتح مؤسسات، وساند أبناء منطقته، ودعم الطلاب، وعالج المرضى، وطرق الأبواب المغلقة ليفتحها بنفسه…هذه ليست دعاية، بل واقع يشهد عليه أهل البقاع، ووحدهم مَن يملكون الحق في تقييم من يكون إلى جانبهم فعلاً، ومن لا يظهر إلاّ في مواسم الانتخابات.

قد يختلف البعض مع خطّه السياسي، وقد لا يشاركونه رؤيته الوطنية، وهذا حقّ مشروع في أي نظام ديمقراطي، لكن الخلاف في السياسة لا يُلغي الوقائع، وواقع الحال يُثبت أنّ حسن مراد يملأ الفراغ الذي تركته الدولة، ويتحمّل مسؤوليات هي أصلاً من اختصاص الوزارات والمؤسسات العامة، لا من صلب المبادرات الفردية.

أمّا أولئك الذين يُسارعون إلى الانتقاد الجاهز، ويتّهمون كل مبادرة بأنها “حملة انتخابية مقنّعة”، فليُجيبوا: كم من رجال الأعمال وممولين في البقاع يمتلكون القدرة على العطاء؟ وكم منهم بادر إلى ردّ الجميل لمنطقته من دون انتظار مقابل سياسي أو منصب رسمي؟ الحقيقة المُرّة أنّ الأغلبية تملك… ولا تعطي، تُنفق على البذخ والمظاهر، وتُدير ظهرها للجائع، و للمريض، وللعاطل عن العمل.

حسن مراد، بصفته نائباً ورجل أعمال، كان يمكنه الوصول إلى المجلس النيابي بوسائل تقليدية، بالمال، وبالنفوذ، وبالعلاقات، لكنّه اختار الطريق الأصعب، أن يكون بين أهله، لا فوقهم، وأن يخلق فرصاً لا وعوداً.

البقاع ليس بحاجة إلى من يتاجر بقضاياه، بل إلى مَن يضعه في سلّم الأولويات، والأهم إلى مَن يراه حقاً لا عبئًا…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.